فصل: مسألة الطبيب يشارط المريض يقول أعالجك فإن برئت فلي من الأجر كذا وكذا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة قال لرجل أعطني عرصتك هذه أبنيها بعشرة دنانير:

قال ابن القاسم في رجل قال لرجل: أعطني عرصتك هذه أبنيها بعشرة دنانير، أو بما دخل فيها على أن أسكنها في كل سنة بدينار حتى أوفي ما غرمت فيها وأصلحت. قال: إن سمى عدة ما يبنيها به، وما يكون عليه في كل سنة، فذلك جائز، وإن لم يسم فلا خير فيه.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في رسم البز، من سماع ابن القاسم، من كتاب كراء الدور، وهو كما قال؛ لأنه إن سمى عدة ما يبنيها به، ولم يسم ما يكون عليه في كل سنة؛ كان كراء مجهولا، وإن سمى ما يكون عليه في كل سنة، ولم يسم ما يبنيها به، كان الكراء معلوما، وأمده مجهولا، وإذا سمى الوجهين كان كراء معلوما إلى أجل معلوم فجاز، وإنما جاز وإن لم يبين هيئة بناء العرصة، والأغراض في ذلك مختلفة، من أجل أن المكتري كالوكيل له على ذلك، فإذا بنى العرصة على الهيئة التي تشبه أن تبنى عليها لزمه، كمن وكل رجلا أن يشتري له ثوبا أو جارية، فاشترى له ما يشبه أن يشتري له من ذلك لزمه. ولو وصف البنيان وعدد ما يسكنها من السنين لجاز، وإن لم يسم عدة ما يبنيه به، ولا ما يكون عليه في كل سنة، بل لا يجوز إذا اكتراها منه سنين معلومة ببناء موصوف أن يسمي للبنيان عددا معلوما؛ لأنه يعود بذلك غررا، ويكون من بيعتين في بيعة، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول من جاءني بعبدي الآبقين فله عشرة دنانير فيؤتى بأحدهما:

ومن كتاب يوصي لمكاتبه بوضع نجم من نجومه:
وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول: من جاءني بعبدي الآبقين، فله عشرة دنانير، فيؤتى بأحدهما. قال ابن القاسم: لا أحب هذا الجعل حتى يجعل في كل واحد منهما جعلا معروفا. قلت: فإذا وقع؟ قال: إذا وقع وكانت أثمانهما سواء، رأيت له نصف العشرة، وإن اختلفت أثمانهما كان له من العشرة بقدر ثمن الذي جاء به من ثمن صاحبه؛ لأنه إذا جاء بأدناهما ثمنا، قال صاحبه: لم أكن أرضى أن أجعل في هذا خمسة دنانير، وإنما ثمنه عشرة.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم: هذا خلاف قوله في المدونة أنه جعل فاسد، ويكون له في الذي أتى به منهما قيمة عمله على قدر عنائه وطلبه، وخلاف قول ابن نافع فيها: إنه يكون له في الذي أتى به منهما نصف العشرة، وجعل مجاعلة الرجل الرجل في العبدين الآبقين جعلا واحدا، لا يخلو من أربعة أوجه؛ أحدها: أن يجعل له فيهما جعلا واحدا عشرة في التمثيل على أنه إن أتى بهما فله العشرة، ولا شيء له إن أتى بأحدهما دون الآخر. والثاني: أن يجعل له فيهما عشرة دنانير على أنه إن جاء بأحدهما فله نصف العشرة، أو على أنه إن أتى بفلان منهما فله من العشرة كذا وكذا، وإن أتى بفلان منهما فله كذا وكذا. والثالث: أن يجعل له فيهما عشرة على أنه إن جاء بأحدهما، فله فيه من العشرة على قدر ثمنه من ثمن صاحبه. والرابع: أن يجعل له فيهما عشرة دنانير دون بيان ما يكون له إن أتى بأحدهما دون الآخر.
فأما الوجه الأول فلا اختلاف في أن الجعل فيه فاسد، ويكون له فيه إن أتى بأحدهما إجارة مثله، أو جعل مثله، على ما مضى في رسم طلق ابن حبيب، من سماع ابن القاسم، من الاختلاف في الجعل الفاسد إذا وقع وفات بالعمل، هل يرد إلى حكم نفسه وهو الجعل؟ أو إلى حكم غيره وهو الإجارة؟
وأما الوجه الثاني فهو جعل جائز على سنة الجعل الجائز.
وأما الوجه الثالث فاختلف فيه، فقيل: إنه جعل فاسد، وهو قول مالك في المبسوطة، وقيل: إنه جعل جائز. والاختلاف في هذا مبني على اختلافهم في إجازة جمع الرجلين سلعتيهما في البيع؛ لأن جملة الثمن معلوم، وما يقع لكل سلعة منهما لا يعلم إلا بعد التقويم، كما أن جملة الجعل في العبدين معلوم، وما يقع لكل عبد منهما لا يعلم إلا بعد التقويم.
وأما الوجه الرابع وهو أن يقع الجعل منهما دون بيان ما يكون له إن جاء بأحدهما، فاختلف على ما يحمل من الأوجه الثلاثة، فحمله ابن القاسم في المدونة على ظاهره، من أنه لا شيء له من العشرة إلا أن يأتي بهما جميعا، وحكم له بحكم الجعل الفاسد، وحمله في هذه الرواية إذا وقع، وأتى بأحدهما مع كراهيته لوقوعه ابتداء دون بيان على أنهما إنما قصدا إلى أن يكون له فيمن جاء به منهما ما يقع له من الجعل على قدر قيمته من قيمة صاحبه، فأوجب له في الذي أتى به منهما ما يقع له من الجعل، على ما ظهر إليه من قصدهما على أحد قوليه في إجازة جمع الرجلين سلعتيهما في البيع. وحمله ابن نافع في المدونة إذا وقع وفات على أنهما إنما قصدا إلى ما يجوز من أن يكون له إذا أتى بأحدهما نصف العشرة، فأوجب ذلك له، فهذا وجه الاختلاف في هذه المسألة، وبالله التوفيق.

.مسألة قال لرجل إن بعت هذه السلعة بعشرة دنانير فلك من كل دينار سدسه:

قلت: فرجل قال لرجل: صح على هذه السلعة، فإن بعتها بعشرة دنانير، فلك من كل دينار سدسه. قال: هذا حلال لا بأس به؛ لأنه قال له: إن بعت هذه السلعة بعشرة دنانير فلك دينار وثلثان. قلت: فإن باعها بأكثر من عشرة؟ قال: فليس له إلا الدينار والثلثان الذي جعل له أولا، وإن باعها بعشرين. قلت: أفيجوز له أن يقول: بع وصح على هذه السلعة، فما بعتها به من دينار، فلك من كل دينار سدسه، ولم يوقت له ثمنا؟ قال: هذا حرام لا خير فيه.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن من شروط صحة الجعل أن يكون الجعل معلوما، فإذا كان الجعل ثابتا لا يزيد بزيادة الثمن، ولا ينقص بنقصانه جاز، وإن كان يزيد بزيادته وينقص بنقصانه لم يجز؛ لأنه مجهول، وبالله التوفيق.

.مسألة استأجر أجيرا ينسج له أو يعمل له عملا من الأعمال فينجز عمله:

ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده:
قال ابن القاسم: من استأجر أجيرا ينسج له أو يعمل له عملا من الأعمال، فينجز عمله؛ أنه لا بأس أن يرسله يعمل للناس، ويأتيه بما عمل أو يكريه في مثل ما استأجره عليه.
قال محمد بن أحمد: هذا كما قال: إنه إذا استأجره على عمل غير معين، فينجز عمله، كان من حقه أن يواجره من غيره، ويأخذ إجارته؛ لأنه قد استحق منافعه بالاستئجار، فله أن يستعملها في عمل نفسه، وفي عمل غيره، ولا يلزم الأجير أن يذهب فيواجر نفسه من الناس، ويأتيه بالأجر إذا لم يستأجره على ذلك، فإن رضي بذلك لم يكن به بأس كما قال. ولا اختلاف في شيء من هذا، وإنما اختلف إذا استأجره على عمل بعينه، فتلف ما استأجره عليه، على ما مضى القول فيه في رسم طلق، من سماع ابن القاسم، ولا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة ينزي البغل على البغلة إذا استودفت:

وقال ابن القاسم: لا أرى بأسا أن ينزي البغل على البغلة إذا استودفت، ورأيته كأنه يكره الإجارة في نزوه؛ لأنه لا يعق له، وقال: ليس فيه منفعة، ثم قال: لا أدري ما هو. قال عيسى: لا أرى به بأسا إذا كانت قدادته، وإن استأجره إذا كان لا يجد من ينزي له باطلا.
قال محمد بن رشد: لم يستبن لابن القاسم أولا وجه المنفعة في ذلك، فكره الإجارة فيه، ثم ظهرت له ولم يتحققها فقال: لا أدري ما هو. وقول عيسى هو البين؛ لأن المنفعة في ذلك معلومة للمستأجر بصلاح بغلته، وإن لم تعق، والله تعالى الموفق.

.مسألة أجر القابلة على من هو:

وسئل عن أجر القابلة على من هو أعلى الرجل، أم على المرأة؟ قال: إن كان أمرا لا يستغني عنه النساء فهو على الرجل، وإن كان أمرا يستغني عنه النساء، فهو على المرأة، ولا شيء على الزوج منه. قال أصبغ: قيل لابن القاسم: فإن كانت المنفعة لهما جميعا، والمضرة عليهما جميعا على المرأة والصبي؟ قال: هذا عليهما جميعا على المرأة وعلى الزوج. قيل له: بالنصف والنصف؟ قال: لا، كأنه يقول فيه على قدر منفعة كل واحد منهما في ذلك. قال أصبغ: أراه على الأب كله، قال الله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، ففرض لهن ذلك بالولد، والولد هبة منهما لهما جميعا، وكذلك نوائب الولد ومخرجه ومصالحه كلها التي يخرج بها، ويحتاج إليها.
قال محمد بن رشد: في آخر أول رسم من سماع أشهب، من كتاب طلاق السنة، من قول مالك ما يقتضي أنه على المرأة، فهي ثلاثة أقوال في المسألة، لكل قول منها حظ من النظر، قاس ذلك أصبغ على نفقة الحمل، فرآه على الأب، وإن كانت فيها منفعة للمرأة، كما أن النفقة عليه بسبب الولد، وإن كانت فيها منفعة للمرأة؛ ولم يقس ذلك ابن القاسم على نفقة الحمل، ورآه على من يستبد بمنفعته منهما، فإن اشتركا في المنفعة به كان عليهما جميعا؛ إذ قد كان القياس في نفقة الحمل أن يكون عليهما جميعا لانتفاع كل واحد منهما بها لولا النص، فيتبع النص في موضعه ويرجع إلى القياس فيما سواه.
ووجه قول مالك اتباع ظاهر القرآن؛ لأن الله عز وجل يقول: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} [الأحقاف: 15]، فأخبر تعالى أنها هي تحمله وتضعه، فوجب أن تكون مؤنة ذلك كله عليها، ولا يكون على الأب منه إلا ما أوجب الله عليه من النفقة عليها إلى أن تضعه، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة جعل في عبد له عشرة دنانير لمن جاء به فجاء به رجل لم يسمع بالجعل:

ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار:
قال ابن القاسم في رجل جعل في عبد له عشرة دنانير لمن جاء به، فجاء به رجل لم يسمع بالجعل. قال: إن كان ممن يأتي بالأباق فله جعل مثله، وإن كان ممن لا يأتي بالأباق، فليس له إلا نفقته، وإن سمع فكان ممن لا يأخذ الأباق، أو ممن يأخذ الأباق فله العشرة.
قال محمد بن رشد: حكى ابن حبيب في الواضحة: أن له الجعل المسمى، علم به أو لم يعلم إذا وجده بعد أن يجعل فيه تكلف طلبه، أو لم يتكلف عن ابن الماجشون وأصبغ وغيرهما من أصحاب مالك، وذكر أنه قول مالك.
ووجه قول ابن القاسم أن الذي أتى به لم يعمل على طلبه، على الجعل المسمى؛ إذ لم يعلم به فوجب ألا يجب له، ووجه ما حكى ابن حبيب أن الجاعل قد أوجب على نفسه ما سمى من الجعل لمن جاء به، فوجب أن يكون له وإن لم يطلبه، أو كان أكثر من جعل مثله إن طلبه، وكان ممن يطلب الأباق. وقول ابن القاسم أظهر؛ لأن الجاعل أراد بقوله: من جاءني بعبدي فله عشرة دنانير تحريض من يسمع قوله على طلبه، فوجب ألا تجب العشرة الدنانير إلا لمن سمع قوله، فطلبه بعد ذلك لا لمن لم يسمع قوله، ولا لمن سمعه، فوجد العبد دون أن يطلبه، فلا اختلاف في أنه لا حق في الجعل لمن وجد العبد قبل أن يجعل فيه الجعل؛ إذ قد وجب عليه رده إلى صاحبه قبل أن يجعل فيه الجعل، واختلف فيمن وجده بعد أن جعل فيه الجعل على قولين؛ أحدهما: أنه لا شيء له فيه إلا أن يسمع الجعل ويطلب العبد، وهو قول ابن القاسم. والثاني: أن الجعل يكون له، وإن لم يسمع الجعل ولا طلب العبد، وهو القول الذي حكى ابن حبيب، وبالله التوفيق.

.مسألة تكون له شجرة التين فيقول له احرسها واجنها ولك نصفها:

وسئل ابن القاسم عن رجل تكون له شجرة التين قد طابت، فيقول لرجل: احرسها واجنها واحتفظ بها، ولك نصفها، أو ثلثها، أو جزء منها. فقال: لا بأس بذلك؛ لأنه لا بأس أن يكرى بما حل بيعه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أعرفه؛ لأنه إذا كان ذلك في الزرع جائزا، وإن كان لا يمكن أن يقسم إلا بالكيل بعد أن يدرس ويصفى على ما مضى القول فيه، في أول رسم من سماع أشهب، فهو في هذا أجوز، وبالله التوفيق.

.مسألة جعلت لرجل دينارا على أن يتقاضى لي من غريم لي ستة دنانير كانت لي عليه:

ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار:
قال عيسى: سأل رجل ابن القاسم وأنا جالس فقال: إني جعلت لرجل دينارا على أن يتقاضى لي من غريم لي ستة دنانير كانت لي عليه. قال: لا خير في هذا إلا أن يجعل له مما يتقاضى له من ذلك الحق من قليل أو كثير بقصاص الدينار من ذلك الحق. قال الرجل: فإن كنت جعلت له مما يتقاضى بقصاص ذلك من الدينار، فأردت أن أوخره بالحق، أو أتحول به على غيره، أيكون له من الدينار شيء؟ فقال: له الدينار كله. فقال: إنه لم يقم عليه إلا اليوم. قال: وإن.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إنه لا يجوز أن يجعل الرجل للرجل دينارا على أن يتقاضى له ستة دنانير، إلا أن يجعل له فيما يتقاضى ما يجب له من الدينار؛ لأنه إن لم يجعل له فيما يتقاضى ما يجب له من الدينار، لم يجب للمجعول له شيء إلا بتقاضي جميع الستة دنانير، فإن تقاضى بعضها، وبقي بعضها، كان الجاعل قد انتفع قبل أن يتم المجعول له العمل؛ ولا يجوز الجعل فيما يكون للجاعل فيه منفعة قبل تمام العمل، هذا ما لا خلاف فيه، ويجوز أن يستأجره على تقاضي الستة دنانير بدينار، وإن لم يشترط أن له فيما يتقاضى منها ما يجب له من الدينار؛ لأن الحكم يوجب ذلك في الإجارة التي هي لازمة لهما جميعا، وإن لم يشترطاه، وقد مضى القول على هذا في أول رسم من سماع ابن القاسم.
وأما قوله: إن الجعل يلزم الجاعل إن أخر الذي عليه الدين، أو تحول به على غيره، فصحيح على أصولهم في أن الجعل لازم للجاعل، فليس له أن يبطله على المجعول له إلا أن يوفيه جميع جعله، وهذا من قول ابن القاسم يبين ما وقع في رسم الأقضية الثاني، من سماع أشهب، من كتاب تضمين الصناع، وبالله التوفيق.

.مسألة يعطيه العرصة يبني فيها بيوتا بذرع معروفة على نصف ذلك بأصله:

وقال ابن القاسم: لا بأس أن يعطي الرجل الرجلَ العرصة يبني فيها بيوتا بذرع معروفة وصفة معروفة، على نصف ذلك بأصله، أو ثلثه، أو جزء منه.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم هذا مثل قوله في رسم شهد من سماع عيسى، من كتاب السداد والأنهار، مثل قول عيسى بن دينار في نوازله منه، في الرحى الخربة، يعامل صاحبها فيها رجلا على بنائها بجزء منها، وعلى أصله في المدونة في جواز الاستئجار على حصاد الزرع وجذاذ النخل بجزء منه، وقوله في رسم إن خرجت قبل هذا، في مسألة شجرة التين. وإنما جاز بناء العرصة بجزء منها، ولم يجز نسج الغزل بجزء منه، ولا دبغ الجلود بجزء منها من أجل أنه لا يعرف وجه خروج الثوب من النسج، ولا وجه خروج الجلود من الدباغ والبناء إن لم يخرج على ما وصفاه، يقدر على إعادته حتى يخرج على الصفة.
والأصل في هذه المسألة أن كل ما يجوز من العمل اشتراطه على البائع في الشيء المبيع، يجوز الاستئجار عليه بالجزء منه، وذلك جائز عند ابن القاسم فيما يعرف وجه خروجه، وفيما لا يعرف وجه خروجه مما يمكن إعادته للعمل إن خرج على غير الصفة. وسحنون لا يجيز ذلك على حال، فيأتي على مذهبه أن الاستئجار على بناء العرصة بالجزء منها لا يجوز، وهو الذي يأتي على قول مالك في أول سماع أشهب، في مسألة الذي يقول للرجل: اعمل لي بناء في هذا التراب بيني وبينك، وقد تقدم القول عليها هناك، وبالله التوفيق.

.مسألة لم موضع دابة رجل ضالة فيقول اجعل لي فيها كذا وكذا وآتيك بها:

ومن كتاب العشور:
قال عيسى: سئل ابن القاسم عن الرجل يعلم موضع دابة رجل ضالة، فيقول: اجعل لي فيها كذا وكذا وآتيك بها، ولم يخبره علمه بمكانها، فجعل له جعلا فأخبره قال: لا ينبغي ذلك، وإنما ذلك في المجهول، ولا أراه يثبت له هذا الجعل، ولا ينبغي له أن يكتمه موضعها، وأرى أن يعطى قيمة عنائه إلى ذلك الموضع إن جاء بها، ولا جعل له.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن طلب الآبق مجهول، فلا يجوز الجعل فيه إلا مع استوائهما في الجهل بموضعه، ومتى علم أحدهما موضعه، وجهل الآخر، كان العالم منهما قد غر صاحبه، كالصبرة لا يجوز بيعها جزافا، إلا مع استوائهما في الجهل بكيلها. فإن علم أحدهما كيلها، وجهل الآخر، كان العالم بكيلها قد غر الآخر، فيكون المغرور منهما الذي لم يعلم بكيلها، بالخيار بين أن يرد أو يجيز. فإن فاتت كان فيها الأكثر من القيمة أو الثمن، إن كان المبتاع هو الذي علم كيلها، والأقل من القيمة أو الثمن إن كان البائع هو الذي علم كيلها وغر المبتاع بذلك.
وكذلك مسألة الجعل في طلب الضالة والآبق، إن كان المجعول له علم بموضعها، فغر الجاعل بذلك، فعلم قبل أن يخرج في طلبه، كان بالخيار بين أن يمضي الجعل أو يرده، وإن لم يعلم بذلك حتى جاء بالعبد كان عليه الأقل من قيمة عنائه إلى ذلك الموضع أو الجعل الذي جعل له، هذا معنى قوله، لا أنه يكون له قيمة عنائه إلى ذلك الموضع، كان أقل من الجعل أو أكثر؛ إذ ليس بجعل فاسد فيرد فيه إلى إجارة مثله بالغا ما بلغ، وإنما هو جعل غبن المجعول له الجاعل بما كتمه من علمه بمعرفة موضع العبد. ولو كان الجاعل هو الذي علم بموضع العبد أو الضالة، فكتم المجعول له ذلك، كان له الأكثر من قيمة عنائه في طلبه أو الجعل الذي جعل له، وبالله التوفيق.

.مسألة أبق منه غلام له فبلغه أنه ببلد فاستأجر رجلا بكراء معلوم إلى تلك البلدة في طلبه:

ومن كتاب النسمة:
وسئل ابن القاسم عن رجل أبق منه غلام له، فبلغه أنه ببلد، فاستأجر رجلا بكراء معلوم إلى تلك البلدة في طلبه، فقال له: إن جئتني به أو بخبره فلك تلك الإجارة، فلما خرج الأجير خالفه العبد إلى مولاه من قبل أن يبلغ الأجير البلدة، فانصرف حيث بلغه أن العبد رجع، ماذا له من الإجارة؟ قال ابن القاسم: له الكراء التام ويرسله إن شاء في مثل ما قصر من الطريق.
قال محمد بن رشد: قوله فاستأجر رجلا بكراء معلوم إلى تلك البلدة، يقضي على قوله: إن جئتني به أو بخبره فلك تلك الإجارة، ويبين أن معناه، ولك الإجارة كاملة وجدته في البلد، أو لم تجد فيها إلا خبره، فهو شرط جائز في الإجارة؛ لأنه هو الذي يوجبه الحكم فيها، وليس معناه أنه لا شيء له من الإجارة إن لم يأته به أو بخبره، ولو اشترط ذلك بإفصاح أو حمل الشرط عليه؛ لكانت الإجارة فاسدة.
وأما قوله إذا انصرف الأجير من حيث بلغه أن العبد رجع؛ أن له الإجارة كاملة، ويرسله المستأجر إن شاء فيما قصر من الطريق، فقد قيل: إنه ليس له أن يرسله في مثل ما قصر فيه من الطريق إلا برضاه، وقد قيل: إن ذلك لا يجوز، وإن رضي بذلك الأجير؛ لأنه فسخ دين بدين، وإنما له أن يبعثه في بقية الطريق بعينه أو يعطيه إجارته كاملة، وقد مضى القول على هذا في أول رسم من سماع ابن القاسم.
فإذا لم يجز له أن يبعثه في مثل ذلك الطريق على القول بأن ذلك لا يجوز، أو لم يرض الأجير بذلك على القول بأن ذلك لا يلزمه إلا برضاه، فيكون له من إجارته بقدر ما سار من الطريق إلى الموضع الذي رجع منه؛ إذ قد فات برجوعه أن يسير له في بقية الطريق بعينه. ولو عثر على ذلك قبل أن يرجع من الطريق لما كان للمستأجر على هذين القولين إلا أن يسيره في بقية الطريق بعينه، أو يدفع إليه إجارته كاملة، وبالله التوفيق.

.مسألة الطبيب يشارط المريض يقول أعالجك فإن برئت فلي من الأجر كذا وكذا:

وسئل ابن القاسم، وابن وهب عن الطبيب يشارط المريض يقول: أعالجك، فإن برئت فلي من الأجر كذا وكذا، وإن لم تبرأ غرمت لي ثمن الأدوية التي أعالجك بها إذا أخبره بالثمن قبل أن يعالجه. فقالا: الناس ينهون عن كل بيع، وأجرة يكون فيه شرطان؛ لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نهى عن بيعتين في بيعة». وقد أجاز لنا مالك علاج الطبيب إذا شارطه على شيء معلوم، فإن صح أعطاه ما سمى له، وإن لم يصح من علاجه لم يكن له شيء. قال ابن القاسم: لا خير فيه.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إن ذلك لا يجوز من أجل أنه دخل تحت «نهي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيعتين في بيعة»، والذي يدخله من المكروه الجهل بالإجارة والغرر فيها؛ لأن الطبيب لا يدري ما يحصل له إن كان الجعل الذي سمى له أو ثمن أدويته، فإن وقع ذلك فسخ متى ما عثر عليه، وكان له ثمن أدويته التي عالجه بها، وقيمة عمله هو في علاجه، والله الموفق.

.مسألة قال اسع لي في نكاح بنت فلان اشخص لي في ذلك ولك كذا وكذا:

ومن كتاب البراءة:
قال عيسى: قلت لابن القاسم: فإن قال: اسع لي في نكاح بنت فلان، اشخص لي في ذلك، ولك كذا وكذا؟ قال: إذا سعى في ذلك، وكان حيث هو في حاضرته، ولم يشخص فيها إلى بلد، فلا بأس به إن شاء الله، وذلك يلزمه.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إن الجعل في ذلك جائز ولازم؛ لأنه جعل في أمر مباح لا يلزم المجعول له فعله، وقد مضى بيان هذا المعنى في رسم البز، من سماع ابن القاسم، ومضى في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، من كتاب جامع البيوع، ورسم الجواب من سماع عيسى، من كتاب النكاح القول على قوله: ولني إنكاح وليتك، ولك كذا وكذا؛ أن الجعل في ذلك جائز ولازم؛ لأنه جعل في أمر مباح، لا يلزم المجعول له فعله، أو ولني بيع دارك ولك كذا وكذا، وبينا المعنى في الفرق في ذلك بين النكاح والبيع، فإن المعنى في ذلك خلاف المعنى في هذه، فلا معنى لإعادة ذلك.
وأما شرطه في هذه المسألة أن يكون ذلك في حاضرته، ولا يشخص فيه إلى بلد آخر، فلا وجه له؛ إذ لا منفعة للجاعل في شخوصه إلى بلد آخر إن لم يتم له النكاح، وهو يشخص في ذلك رجاء أن يصح له الجعل بتمامه كما يشخص في طلب الآبق من بلد إلى بلد رجاء أن يجده، فيجب له بتمامه كما يشخص في طلب الآبق من بلد إلى بلد، رجاء أن يجده، فيجب له الجعل الذي جعل له فيه. وذلك بخلاف الرجل يجاعل الرجل على أن يبيع له ثوبه ببلد آخر؛ لأنه إن لم يقدر على بيعه بذلك البلد انتفع الجاعل بحمله سلعته إلى ذلك البلد. فهذه هي العلة في أن ذلك لا يجوز حسبما مضى القول فيه في أول رسم من سماع ابن القاسم، وهي معدومة في مسألة النكاح هذه، فوجب أن تجوز، وبالله التوفيق.

.مسألة يحضرون بيع الميراث فيمن يزيد فيزيد الرجل في الثوب:

ومن كتاب القطعان:
وسئل ابن القاسم عن القوم يحضرون بيع الميراث فيمن يزيد فيزيد الرجل في الثوب، فيقول المنادي بدينار ودرهم، فينادي عليه بذلك، ولا يصفق ويطلب الزيادة، ثم يبدو للذي زاد. قال: البيع يلزمه. قيل له: فالرجلان يزيدان في الثوب، فيقول: هذا بدينار، وهذا بدينار يقع عليهما بشيء واحد، فيطلب الصائح الزيادة، فلا يزاد، فوجب لهما فيبدو لهما. قال: أرى البيع لهما لازما وأراهما فيه شريكين، وقال عيسى: لا يعجبني هذا من قوله، وأراه للأول، ولا أرى للصائح أن يقبل من أحد مثل الثمن الذي قد أعطاه غيره، وإنما يقبل الزيادة، ولها ينادي، فهو للأول حتى يزاد إلا أن يكونا جميعا قد أعطياه دينارا معا، هما فيه شريكان.
قال محمد بن رشد: البيع على المزايدة جائز خارج عما نهى عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أن يسوم الرجل على سوم أخيه. والأصل في جوازه ما روي «أن رجلا من الأنصار أتى إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فشكا إليه الفاقة، ثم عاد فقال لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقد جئت من عند أهل بيت ما أرى أن أرجع إليهم حتى يموت بعضهم. قال: انطلق هل تجد من شيء، فانطلق فجاء بحلس وقدح، فقال: يا رسول الله، هذا الحلس كانوا يفترشون بعضه ويلتفون ببعضه، وهذا القدح كانوا يشربون فيه، فقال: من يأخذهما مني بدرهم؟ فقال رجل: أنا؛ فقال: من يزيد على درهم؟ فقال رجل آخر: أنا آخذهما بدرهمين، فقال: هما لك، فدعا بالرجل فقال: اشتر بدرهم طعاما لأهلك، وبدرهم فأسا، ثم ايتني ففعل، ثم جاء فقال: انطلق إلى هذا الواعي، فلا تدعن فيه شوكا ولا حطبا، ولا تأتي إلا بعد عشر، ففعل، ثم أتاه فقال: بورك فيما أمرتني به، فقال: هذا خير لك من أن تأتي يوم القيامة في وجهك نكت من المسألة، أو خموش من المسألة»، الشك من بعض رواة الحديث.
والحكم فيه أن كل من زاد في السلعة لزمته بما زاد فيها إن أراد صاحبها أن يمضيها له بما أعطى فيها ما لم يسترد سلعته، فيبيع بعدها أخرى، أو يمسكها حتى ينقضي مجلس المناداة، وهو مخير في أن يمضيها لمن شاء ممن أعطى فيها ثمنا، وإن كان غيره قد زاد عليه.
هذا الذي أحفظ في هذا من قول الشيخ أبي جعفر بن رزق رَحِمَهُ اللَّهُ، وهو صحيح في المعنى؛ لأن حق صاحب السلعة أن يقول للذي أراد أن يلزمها إياه، إن أبى من التزامها، وقال له: بع سلعتك من الذي زاد علي فيها؛ لأنك إنما طلبت الزيادة وقد وجدتها: أنا لا أحب معاملة الذي زاد في السلعة عليك، وليس طلبي الزيادة فيها، وإن وجدتها إبراء مني لك فيها. فمعنى قول ابن القاسم: أرى البيع لهما لازما، وأراهما شريكين فيها، إذا أسلم البائع السلعة لهما، ولم يكن له اختيار في أن يلزمها أحدهما دون صاحبه. وكذلك قال أصبغ: إنها للأول، معناه إذا قال: قد أمضيتها لمن هو منكما أحق بها.
وقول ابن القاسم هو القياس؛ لأن الأول لا يستوجب السلعة بما أعطى فيها إلا أن يمضيها له صاحبها. وكذلك الثاني فلا مزية فيها لأحدهما على الآخر. وقول أصبغ استحسان. والوجه فيما ذكره من أنه إنما طلب الزيادة لا ما قد أعطى فيها، فالاختيار له ألا يقبل الزيادة. فإذا قبل من الثاني مثل ما أعطاه الأول كانا في وجه القياس سواء. وقد مضى من معنى هذه المسألة في آخر أول رسم من سماع أشهب، من كتاب العيوب، وبالله التوفيق.

.مسألة حمل شيئا فصدم أو رمي فانكسر ما عليه:

ومن كتاب العتق:
وقال ابن القاسم في حمال حمل شيئا: إنه إن صدم أو رمي فانكسر ما عليه، فالذي رماه أو صدمه ضامن لما عليه، وللأجير أجرته، ويسيره فيما بقي.
قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب أن من استأجر أجيرا على حمل شيء بعينه، فتلف، أن الإجارة لا تنقض، وهو قول ابن القاسم، وروايته عن مالك في المدونة، وإليه ذهب محمد بن المواز فقال: تعبير الحمل إنما هو صفة لما يحمل. ومثله في رسم القبلة، من سماع ابن القاسم، من كتاب الرواحل والدواب، وفي رسم طلق، من سماع ابن القاسم، من هذا الكتاب، وفي أول رسم من سماع أصبغ منه. وقد قيل: إن الإجارة تنتقض بتلفه، وهو قول أصبغ وروايته عن ابن القاسم في رسم الكراء والأقضية من سماعه، من كتاب كراء الرواحل والدواب. وقد مضى تحصيل القول في الاختلاف فيها، في رسم طلق، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.